❗خاص❗ ❗️sadawilaya❗
بقلم: د/بدور الديلمي -اعلامية يمنية
دمشق بعد أكثر من عقدٍ من الحرب، لا تزال سوريا حبيسة صراعات داخلية ومصالح إقليمية ودولية متشابكة، تجعل من عودتها إلى الاستقرار الكامل مهمة شبه مستحيلة في الوقت الراهن. فبين تعثر المسار السياسي، وتعقيد المشهد العسكري، وغياب الإجماع الدولي، أصبحت سوريا ساحة صراع تتقاطع فيها مصالح قوى كبرى، ما جعل معاناة الشعب السوري مستمرة بلا أفق واضح.
الوضع الداخلي: انقسام وتدهور اقتصادي
تعيش سوريا اليوم حالة من الانقسام الجغرافي والسياسي؛ فالحكومة تسيطر على معظم المناطق الغربية والجنوبية، بينما تخضع مناطق الشمال والشمال الشرقي لنفوذ قوات المعارضة المدعومة من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. هذا الانقسام ساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث تجاوزت معدلات الفقر 90%، وانهارت العملة المحلية، وسط نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والوقود.
إيران وروسيا: حلفاء النفوذ العسكري والسياسي
تشكل كل من روسيا وإيران عمق الدعم العسكري والسياسي للنظام السوري. فروسيا، التي تمتلك قاعدة حميميم الجوية، تسعى لتعزيز وجودها في البحر المتوسط، بينما تسعى إيران لترسيخ نفوذها في المنطقة عبر ميليشياتها المنتشرة من دمشق حتى الحدود اللبنانية. ومع ذلك، يبدو أن هناك اختلافًا في الأهداف بين الطرفين، ما ينعكس أحيانًا في توتر غير معلن على الأرض.
تركيا: اللاعب الحدودي ومفتاح الشمال
تنظر تركيا إلى الوضع السوري من زاوية أمنها القومي، خصوصًا فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني. ومن هذا المنطلق، شنت أنقرة عمليات عسكرية متكررة في الشمال السوري، وأنشأت مناطق نفوذ تابعة لها. كما تستخدم ورقة اللاجئين السوريين كورقة ضغط سياسي على الاتحاد الأوروبي.
الولايات المتحدة وإسرائيل: مصالح تتقاطع في الظل
رغم انسحاب جزئي للقوات الأمريكية من سوريا، فإن واشنطن لا تزال حاضرة في شرق البلاد، بهدف مكافحة تنظيم داعش ومراقبة النفوذ الإيراني. أما إسرائيل، فتشن ضربات جوية متكررة تستهدف مواقع إيرانية في العمق السوري، في محاولة لمنع نقل السلاح إلى حزب الله اللبناني.
الانعكاسات الإقليمية: لبنان، العراق، والأردن
ما يجري في سوريا لا يقتصر تأثيره على الداخل فقط. فلبنان يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية تفاقمت بتأثير الأزمة السورية، والعراق يشهد بين الحين والآخر تسللًا لمقاتلين عبر الحدود. أما الأردن، فيكافح لمراقبة حدوده الشمالية في ظل تصاعد عمليات تهريب المخدرات والسلاح.
نحو حل سياسي... أم إدارة أزمة؟
رغم الجهود الأممية المستمرة بقيادة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، إلا أن المسار السياسي لا يزال متعثرًا. اجتماعات اللجنة الدستورية السورية فشلت في تحقيق أي تقدم ملموس، بسبب غياب الإرادة الحقيقية من الأطراف المحلية والدولية. وبينما تطالب بعض الدول بإعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي – كما حدث في قمة جدة التي شهدت عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية – يرى آخرون أن التطبيع مع النظام يجب أن يسبقه انتقال سياسي شامل، وفق القرار الأممي 2254.
اللاجئون والشتات: قضية إنسانية أم ورقة ضغط؟
يشكل السوريون المنتشرون في دول الجوار وأوروبا أحد أكبر أزمات اللجوء في العالم. ومع تصاعد الخطاب السياسي في بعض الدول المضيفة، أصبح اللاجئ السوري عرضة للترحيل أو الاستغلال كورقة سياسية، كما يحدث في لبنان وتركيا. هذا الواقع يفاقم من معاناة ملايين السوريين، ويؤكد أن حل الأزمة لا يمكن أن يتم دون معالجة الجوانب الإنسانية أولاً.
الجيل الضائع: بين التعليم المهدور ومستقبل مجهول
أكثر من نصف أطفال سوريا اليوم خارج مقاعد الدراسة، جيل كامل كبر في ظل الحرب، دون تعليم منتظم أو رعاية صحية أو أمل بمستقبل واضح. هذا التهديد الصامت، ربما يكون الأخطر على المدى البعيد، لأنه يعني أن إعادة بناء سوريا لن تكون فقط في الحجر، بل في الإنسان أولاً.
خاتمة: سوريا... وطن مع وقف التنفيذ
سوريا اليوم ليست فقط جغرافيا ممزقة، بل قصة أمل مؤجل وشعب أنهكته التحالفات والصراعات. ومع أن الحرب قد خفتت حدتها، إلا أن نيران السياسة والمصالح لا تزال مشتعلة. ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مزيدًا من البيانات أو المؤتمرات، بل فعلًا دوليًا حقيقيًا يُعلي من شأن الإنسان السوري على حساب الحسابات السياسية. فهل يشهد هذا العقد الجديد بداية التعافي، أم تستمر المعاناة بلا نهاية؟
---
للاعلامية اليمنية الدكتورة بدور الديلمي